ملاحظة قبل البدء : هذه التدوينة من مسلم غيور على دينه ولكنه في نفس الوقت حريص على طريقة تفكير الشباب المسلم التي يجب أن تتسم بالوعي ، وحتى تتبين وجهة النظر كاملة فعليك قراءة التدوينة من اول حرف الى اخر حرف دون اجتزاء . والله ولي التوفيق.
هل انتصرنا على جوجل في يومي 24\25 سبتمر ؟! وهل أمة ” اقرأ ” وأمة المليار أسقطت جوجل من المرتبة الأولى الى الثانية وكبدتها عشرات الملايين من الخسائر في العائدات وخفضت أسعار اسهمها ؟! أجابت وسائل الإعلام العربية بكل ثقة ، نعم ! وأجيب بكل أسف وأسى ، لا ! لم ننتصر ، وما دمنا نتغنى بالانتصارات ” الوهمية ” وننقل بدون ان نتحقق ، فلن ننتصر يوما !! انها الحقيقة المرة فدعونا نتجرعها سويا.
بدأت هذه الأزمة منذ عدة أسابيع عندما قامت ايادٍ آثمة وأنفس حاقدة بمحاولة المساس برمز من رموز الاسلام وركن من أركان الايمان ، نبي الرحمة وخير البشر ، محمد صلى الله عليه وسلم ، عن طريق انتاج فلم يحاول الانتقاص من الرسول عليه السلام تحت راية حرية التعبير المزعومة وفي هجمة مبرمجة ضد الاسلام والمسلمين ، ولكن هيهات أن ينالوا منه وقد كرمه الله عز وجل فقال “ إنَّا كَفَينَاكَ المُسْتَهزِئِينْ “ [الحجر:95] وقال ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) [الأحزاب:57] فمكانة الرسول عليه السلام محفوظة من الله عز وجل ، ومحفوظة في قلوب المسلمين ، وحتى المنصفون من غير المسلمين قد شهدوا بمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ليس بحاجة لشهادة بشر .
بعد هذا الفعل المشين توالت ردود أفعال المسلمين الغاضبة لنبيهم ودينهم وتباينت هذه الردود واجتهدت كل طائفة للرد بطريقتها ولا نعيب طريقة رده إذا استندت على أساس صحيح ، ولكن موضوع الإعلام والإشاعات التي قد تكون “ مغرضة “ و “ تؤثر عكسيا “ على هذا الحراك بحاجة إلي وقفة وتفكر حتى لا ننجر وراءها ونتحمل آثارها السلبية .
لماذا جوجل ؟!
تعد جوجل من أكبر الشركات التقنية في العالم ، هذه الشركة التي بدأت مسيرتها قبل 14 عاما ونمت بسرعة جنونية يفوق حجم عائداتها عائدات بعض الدول ويستخدم منتجاتها وخدماتها مئات الملايين حول العالم ، في العام 2006 استحوذت الشركة على موقع الفيديو الشهير – يوتيوب – في صفقة بلغت 1.65 مليار دولار بعد عام من تأسيسه ولقي الموقع نجاحا منقطع النظير جعله الموقع الأول عالميا في مجاله .
يعد يوتيوب والشبكات الاجتماعية بشكل عام منبرا ” حرا ” لنشر الأفكار حول العالم حيث يستطيع المستخدمون نشر ما يريدون عبر الموقع للتعبير عن أفكارهم بضوابط قليلة وفقا للقوانين التي تسنها الشركات وفي مقدمتها حرية التعبير التي يتغنى بها الكثيرون حول العالم والابتعاد عن المحتوى الجنسي الصريح “وفق معاييرهم ” أو المحتوى التحريضي والدموي ، وللانصاف فقد ساهمت هذه المواقع في زيادة الوعي العالمي حول قضايا عديدة فكرية وسياسية وثقافية ولكنها في الوقت نفسه أججت – تحت نفس المظلة “ حرية التعبير “ – أججت الكثير من النزاعات بين أطراف عديدة في هذا العالم والتي كان آخرها قضية الفلم المسيء .
جوجل تعاملت مع الموضوع وفق معاييرها فقامت بحظر المقطع في العديد من الدول التي صدر منها “ تبليغات إساءة “ وهذا من وجهة نظر الكثيرين ومن وجهة نظري أيضا غير كافٍ لأن المطلب هو الحذف النهائي مع أن هذا أيضا ليس علاجا نهائيا للمشكلة فلو حذف من يوتيوب فهناك طرق عديدة لنشره ، ولكن هذا يأتي في إطار معنوي لملاحقة هذه الأعمال المثيرة للجدل في كبرى المواقع المختصة .
اذا فجوجل ليست هي من بث الفيلم أو أنتجه كما خيل للكثيرين ولكن اعتراضنا على جوجل هو سماحها لهكذا أعمال مثيرة للجدل بالبقاء على مواقعها .
قضية النشر هي قضية جدل عالمية في الوسط الإعلامي والتقني فالسيطرة على مثل هكذا أعمال أمر بالغ الصعوبة والانترنت فضاء مفتوح للجميع ، بيد أن هناك أمورا متفقا عليها مثل منع الاستغلال الجنسي وحفظ حقوق الملكية الفكرية ويشمل هذا الاتفاق أغلب دول العالم ، ولكن عندما يصل المحتوى للأديان المختلفة أو للطوائف السياسية والفكرية فهناك تباين واسع ، فكما يستطيع أي مسلم أو باحث وضع فيديو للتشكيك في محرقة الهولوكوست ، يستطيع أي يهودي أن يضع فيديو يزعم فيه أحقيته في فلسطين ويستطيع نصراني أن يزعم أن دينه هو الدين الحق وما دونه باطل !! هنا تكمن المشكلة الحقيقة وهنا يصعب الاتفاق حول معايير ترضي جميع الأطراف وأولهم نحن المسلمون وتنبذ التطرق إلي مهاجمة أفكار ورموز الآخرين .
لكن ماذا عن المقاطعة ؟!
أحد ردود الفعل على الفيلم المسيء كانت توجيه الغضب نحو شركة جوجل ، حيث تمت الدعوة لمقاطعة موقعي جوجل ويوتيوب في الرابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر سبتمبر الحالي لإيصال رسالة إلى الشركة أن المسلمين لا يرتضون نشر هذا الفيلم الذي فيه محاولة مباشرة للنيل من ركن من أركان الإيمان في الدين الاسلامي وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
هذا التحرك الذي لا يشكك أحد في أحقية المسلمين فيه شابته بعض أخطاء يجب إعادة النظر فيها ، حتى يكون أي تحرك قادم في نفس الطريق تحركا فعالا ويحقق نتائج ملموسة .
أول هذه الأخطاء كان في الدعوة الغير دقيقة للمقاطعة وما فيها من معلومات مغلوطة حول تصريحات لشخص يدعى مارتن جوزنبولت بصفته المدير التنفيذي لجوجل وأن علماء المسلمين قرروا المقاطعة وأن هذه المقاطعة ستتسبب بخسارة 210 مليون دولار لجوجل ! وانتشرت هذه الدعوة انتشار النار في الهشيم بين المستخدمين بدون أدنى تحقق من مصدرها أو صحة ما جاء فيها .
مع كل هذا ومع علمي وانتقادي للمعلومات المغلوطة في الدعوة السابقة قمت بمقاطعة جوجل يومي 24 و25 سبتمبر لإيماني بأنها قد تكون خطوة ذات جدوى وتوصل رسالة للشركة بضرورة احترام مشاعر المسلمين ولكن ماذا حصل ؟! وماذا كانت نتائج هذه المقاطعة ؟!
النتائج والاعلام العربي الهزيل !
ادعت بعض المصادر أن نتائج هذه المقاطعة كانت هبوط موقع جوجل في ترتيب اليكسا من المركز الأول الى المركز الثاني وفي مقدمة هذه المصادر الجزيرة والعربية وصحيفة الدستور الاردنية ، وربطت هذه المصادر هبوط الموقع بالمقاطعة من المستخدمين ردا على الفيلم المسيء كما ادعت هذه المصادر وغيرها مثل قناة “ فلسطين اليوم “ الفضائية أن الموقع تكبد خسائرا في العوائد والأسهم نتيجة المقاطعة وتناقل هذه الأخبار آلاف المستخدمين محتفلين بالنصر المظفر على جوجل ، وكالعادة لم يسع الكثيرون لايجاد الحقيقة ، لأن ما نريده هو الحقيقة وحتى لو كانت مرة بطعم العلقم !
أول تفنيد لهذه الانتصارات الوهمية هو أسهم جوجل ، حيث شهدت أسهم جوجل في أيام 24\25 سبتمبر تسجيلا لأرقام قياسية في سعر الأسهم لأول مرة في تاريخها حيث بلغ سعر السهم يوم 24 سبتمبر 750 دولارا بقيمة سوقية للشركة بلغت 245 مليار دولار ، وارتفع السهم اكثر من ذلك في الايام التالية حيث وصل الى 764 دولارا واستقر اليوم الجمعة نحو 753 دولارا ويمكن الرجوع للمعلومات من هذا الرابط .
إذا فأسعار اسهم جوجل لم تشهد انهيارا كما اشيع بل للأسف حصل عكس ذلك .
ثاني تفنيد هو اليكسا ! حيث يعنى موقع اليكسا بتقديم معلومات حول نشاط مواقع الانترنت وينشر تصنيفا لأبرز مواقع العالم كانت جوجل تحتل فيه المرتبة الأولى قبل أن تشتد المنافسة مع فيسبوك ويهبط الموقع الى المرتبة الثانية .
ولكن متى هبط الموقع ؟! وهل هبط نتيجة لمقاطعة يومي 24\25 سبتمبر ؟! والحقيقة المرة أيضا أن الموقع هبط قبل أسبوعين وتناقلت عدد من المواقع الاخبارية العالمية هذا الخبر الذي نقلته المصادر العربية بعد اسبوعين من حدوثة وربطته بالمقاطعة وهذا الرابط نشر يوم 11 سبتمبر عن خبر هبوط الموقع .
وسبب هبوط الموقع كما يعرفه المتابعون للتقنية هو المنافسة الشديدة مع موقع فيسبوك حيث هبط جوجل قبل عامين الى المرتبة الثانية في الولايات المتحدة واستعاد مكانته بعد اطلاق شبكة جوجل بلس الاجتماعية والسبب الآخر أن موقع اليكسا يعتمد في ترتيبه على “ نطاق الموقع” وجوجل تمتلك عدة نطاقات عالمية و محلية مثل نطاق com العالمي ونطاق in الهندي والذي يقع في المرتبة 13 في الترتيب وتظهر وهذه الصفحة خمسة مواقع لجوجل في قائمة اكثر 25 موقعا زيارة حول العالم ومن يرجع الى ملف جوجل في ترتيب اليكسا يجد أن الموقع زاد استخدامه في آخر 7 أيام وليس العكس للأسف .
تجدر الاشارة الى ان موقع قناة العربية تراجع عن تقريره المنشور والمنقول عن الدستور الاردنية ووضع في نفس الرابط توضيح جوجل حول الاشاعات المنتشرة حول هبوطها الى المرتبة الثانية وتعطل بعض خدماتها ويمكنكم مشاهدته الرابط التالي .
ماذا عن جوجل والبرازيل ؟! وهل هددت البرازيل جوجل بسبب الفلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم ؟!
آخر ما انتشر من اشاعات هو أن البرازيل هددت شركة جوجل واعتقلت مدير جوجل في البرازيل بسبب الفلم المسيء للنبي صلوات الله عليه ! لم تستفزني هذه الاشاعة عندما قرأتها على الانترنت البارحة ، لكن ما اثار غضبي هو بث فضائية فلسطين اليوم لهذه الاشاعة في تقريرها !!! ألهذه الدرجة وصلنا من عدم تحري الصواب ؟! وما دخل البرازيل لتدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ! ولماذا هذا الربط بين قضية البرازيل وقضية الفلم المسيء ؟! أسئلة إجابتها أن وسائل الاعلام العربية هي وسائل تفتقد للمهنية والوعي الصحفي شأنها شأن الكثير من ناقلي الاشاعات ومروجيها !
قضية البرازيل تدور حول مذكرة توقيف ضد فابيو سيلفا كويلهو مدير فرع جوجل في البرازيل بسبب فيلم فيديو اعتبرته المحكمة هجوما على كامبو جراندى أحد المرشحين لمنصب العمدة في عاصمة الولاية في الانتخابات المحلية المقرر اجراؤها في 7 أكتوبر المقبل ، وقد اتهم الفيديو “السيدس بيرنال ” المرشح المحافظ لمنصب العمدة- ضمن آخرين- بضرب ابنه البالغ من العمر 6 أعوام بينما كان مخموراً. !! فما هذه السذاجة العظيمة في الربط بين الحادثتين ، والتي نرفضها من أي شخص فضلا أن عن أن تكون وسيلة اعلام تحترم نفسها ومعاييرها الصحفية !!
ان هذه الحوادث المتتالية وهذا التضليل الاعلامي المقصود أو غير المقصود يجب أن يقودنا الى التفكر جيدا في محتوى أي خبر أو دعوة ! قبل اتخاذ اجراءات وبناء مواقف عليها ! ويجب أن نأخذ الدقة والتحري بعين الاعتبار قبل أن نتخذ أي خطوة قادمة ضد جوجل أو ضد غيرها ممن أخطأ التصرف بقصد أو بغير قصد مع هذا الدين العظيم ، دين العلم والفكر والحضارة .
يمكن أن ننتصر على اعدائنا فقط عندما نكون أوعى وأقدر على تمييز المعلومة الصحيحة من الخاطئة من المدسوسة ، أما التغني بالانتصارات الوهمية فهو يشبه تماما ما حدث في حرب حزيران 1967 حيث هزم الكيان الصهيوني عدة دول عربية مجتمعة وراديوهات العرب تتحدث عن اسقاط طائرات العدو .
انها ليست تدوينة ناقدة للاعلام بقدر ما هي دعوة لاعادة التفكير بمنهجية التلقي من هذا الاعلام ، لأن الاعلام يشكل جزءا مهما من حياتنا اليومية وقد تبنى على خبر كاذب حروب بين دول وفتن عظيمة بين طوائف واطراف !
كل ما حدث في هذه القضية يدعونا للتوقف عنده ، وخصوصا حول من يبث هذه الاشاعات ! ويجعلنا نسأل السؤال التالي . هل هي حرب اشاعات منظمة وذات أهداف .؟! أم هو تعطش فطري للحديث عن الانتصارات عند العرب بعد ما توالت علينا الهزائم ؟!
قد تكون جوجل قد خسرت عددا كبيرا من المستخدمين المسلمين وهي خسارة تحت أي حال مهما كان حجمها ونتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت لجوجل لتفهمها جيدا ، لكننا ما زلنا نخسر كل يوم وعينا وثقافتنا ونبني مواقفنا على اشاعات لمطلقيها أهداف قد تكون تحققت جراء مواقفنا .
ونختم بحديث الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه ” لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”.